عندما يحين موعد نكبتنا لا أشعر بحاجة لإحيائها لأنها ترافقني منذ أن بدأت رئتاي وبصعوبة بالغه تقبل هواء هذه الأرض التي اختار القدر لي أن أكون ابنة أكثر بقاعها حزناً. وُلدنا فيها بعينين واسعتين لكي لا يجد الحزن مبرراً للرحيل عنهما لضيق المكان. وبتاجٍ من شوك يدمينا كل يوم لنكون ملوك الآلام بدون منازع، نَرضَع الحكاية ممزوجة بحليب الأم خوفاً من النسيان. ونتعلم المشي على ترابها لتكون أولى خطواتنا وراء نعش رفاق اللعب لتستوطن الخشية من حب الله قلوبنا بعد أن أخبرونا ليهدؤوا من روعنا بأن الله أحب أقراننا فاختارهم ليكونوا بجانبه. وعندما نبدأ وبحذر اختبارَ الحب نقعُ في غرام موتى رحلوا تاركين لنا أحلامهم، ومع مرور الوقت نعرف أن وداع أحبتنا يشبه الموت الذي لا رجعة منه. ونرضى بأن نصبح سياحاً في بلادنا التي ولدنا فيها، لنكتشف بأن أشجار الليمون التي زرعها لنا أجدادنا لم تعد لنا، وثمارها تقطفها أيادٍ غريبة تحمل البنادق لاستقبالنا. ونتعوّدُ على أن نقف شبه عراة في غرفة مطار باردة خالية من كل شئ سوى من كرسي بلاستيكي غير آمن ولا يقوى على حمل أجسادنا المتعبة، في انتظار السماح لنا بالمرور لتوديع موتانا، نقبع فيها طويلاً إلى أن نفقد الشعور بالوقت لنعرف فيما بعد أنهم انتظرونا طويلاً حتى بعد موتهم وأننا فقدنا فرصتنا الأخيرة لرؤيتهم. أن نولد منكوبين، يعني أن نسير على طريق الآلام حاملين صليبنا لوحدنا فلن يكون هناك "سمعان القيرواني“ ليحمله عنا في ما تبقى من الطريق. لأجل كل ذلك وأشياء أخرى كثيره أنا لست بحاجة لمن يذكرني بيوم النكبة، تماماً كما أنني لست بحاجه لمن يذكرني بيوم ميلادي لأعرف أنني تورطت في هذا الوجود.